العواصف الرملية والترابية

العواصف الرملية والترابية

Tags:

تهب عادة العواصف الرملية والترابية عندما ترفع الرياح القوية كميات كبيرة من الرمال والأتربة من الأراضي الجرداء والقاحلة إلى الغلاف الجوي. وقد أدرك العلميون خلال العقد الماضي آثار هذه العواصف على المناخ وصحة الإنسان والبيئة وعلى قطاعات اجتماعية واقتصادية كثيرة. ويتصدر أعضاء المنظمة (WMO) تقييم هذه الآثار وإعداد نواتج يُسترشد بها في وضع سياسات للاستعداد لها والتكيف معها والتخفيف من حدتها.

العواصف الرملية والترابية من المخاطر الجوية الشائعة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة. وهي تنجم عادة عن العواصف الرعدية – أو التفاوت الشديد في الضغط المرتبط بالأعاصير – التي تزيد سرعة الرياح فوق منطقة شاسعة. وهذه الرياح القوية تحمل كميات كبيرة من الرمال والأتربة من الأراضي الجرداء والقاحلة في الغلاف الجوي، وتنقلها على مسافات تتراوح بين مئات وآلف الكيلومترات. فزهاء 40 في المائة من الأهباء الموجودة في التروبوسفير (الطبقة الدنيا من الغلاف الجوي الأرضي) يتألف من جزئيات ترابية بفعل التعرية الريحية. والمصادر الرئيسية لهذه الأتربة المعدنية هي المناطق القاحلة في شمالي أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية، ووسط آسيا، والصين. ومن تلك المصادر أيضاً، وإن كان بدرجة طفيفة لكن تظل هامة، استراليا وأمريكا وجنوب أفريقيا. والتقديرات العالمية للانبعاثات الترابية، المستمدة أساساً من نماذج المحاكاة، تتراوح بين واحد جيغا طن وثلاثة جيغا أطنان سنوياً.

وترتفع الجزيئات الترابية، بعد انطلاقها من السطح، إلى طبقات عليا من التروبوسفير بفعل الخلط المضطرب والتيارات الجوية الصاعدة بسبب الحمل الحراري. وتنقل الرياح هذه الجزيئات لفترات تتوقف مدتها على حجم هذه الجزيئات والأحوال الجوية، قبل أن تهبط إلى السطح مرة أخرى. ولما كانت الجزيئات الكبيرة تسقط أسرع من الجزيئات الصغيرة، يحدث تحول خلال عملية الانتقال نحو الجزيئات الأصغر. كما تحدث عملية غسل للتراب في الغلاف الجوي بفعل الهطول. وتتراوح فترة بقاء الجزيئات الترابية في الغلاف الجوي بين عدة ساعات بالنسبة إلى الجزيئات التي يتجاوز قطرها 10 ميكرومترات، إلى أكثر من 10 أيام للجزيئات التي يقل قطرها عن ذلك.

التفاعل مع الطقس والمناخ

تؤثر الأهباء الجوية، لا سيما الأتربة المعدنية، على الطقس، وكذلك على المناخ العالمي والإقليمي. فالجزيئات الترابية تعمل، خاصة إذا ما طالها التلوث، كنويَّات تكثف لتكوين السحب الحارة، وكعوامل نويَّات جليدية لتكوين السحب الباردة. وتتوقف قدرة الجزيئات الترابية على القيام بهذا الدور على حجمها وشكلها وتكوينها، وهو ما يتوقف بدوره على طبيعة التربة التي جاءت منها والانبعاثات وعمليات الانتقال. وتغيير التكوين الميكروفيزيائي للسحب يغير قدرتها على امتصاص الأشعة الشمسية، وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على الطاقة التي تصل إلى سطح الأرض. وتؤثر الجزيئات الترابية أيضاً على حجم القطيرات التي تتساقط من السحب والبلورات الجليدية، الأمر الذي يؤثر على كمية وأماكن الهطول.

والتراب المحمول جواً له نفس التأثير الصوبي: فهو يمتص أشعة الشمس الداخلة إلى الغلاف الجوي الأرضي ويشتتها، ويقلل من ثم الكمية التي تصل سطح الأرض، ويمتص أيضاً الإشعاع الطويل الموجة المرتد من السطح، ويعيد بثه في كافة الاتجاهات. وعلى غرار ما سبق، تتوقف قدرة الجزيئات الترابية على امتصاص أشعة الشمس على حجم هذه الجزيئات وشكلها تكوينها المعدني والكيميائي. ويلزم أيضاً الحصول على التوزيع الرأسي للتراب في الهواء (مقطع رأسي) وعلى خصائص السطح التحتي لتحديد مدى الآثار.

الآثار على صحة الإنسان

يمثل التراب المحمول جواً خطراً على صحة الإنسان. وحجم الجزيئات الترابية من العناصر الرئيسية التي تحدد المخاطر المحتملة على صحة الإنسان. فالجزيئات التي يزيد حجمها على 10 ميكرومترات لا يمكن استنشاقها، وبالتالي لا يمكن ان تؤثر إلا على الأعضاء الخارجية، وتتسبب في أغلب الحالات في التهابات في الجلد والعين، والتهاب الملتحمة، وزياد التعرض لعدوى العين. أما الجزيئات التي يمكن استنشاقها، الأصغر من 10 ميكرومترات، فإنها تُحتجز في أغلب الأحيان في الأنف والفم والجزء الأعلى من القصبة الهوائية، ويمكن أن يكون لها صلة من ثم بالاضطرابات التنفسية مثل الربو والتهاب القصبة الهوائية والالتهاب الرئوي والتهاب الأنف التحسسي والسُحار السيليسي. بيد أن الجزيئات الأدق حجماً يمكن أن تصل إلى الجزء الأسفل من القصبة الهوائية وتدخل في مجرى الدم حيث يمكن أن تؤثر على كافة الأعضاء وتتسبب في اضطرابات في الأوعية القلبية. ويشير تقييم نوذجي عالمي أجري في 2014 إلى أن التعرض للجزيئات الترابية يتسبب في زهاء 400 000 حالة موت مبكر بأمراض قلبية رئوية في الفئات العمرية التي تتجاوز 30 عاماً.

 

ووفقاً لحالة الطقس والمناخ، يمكن أن يظل التراب معلقاً في الهواء لأيام، مسبباً تفشي الحساسية بعيداً عن مصدرها.                                                                                                             

Map of meningitis belt (in red) and regions of high risk of epidemics (brown) all other regions may have lower incidence of outbreaks and sporadic cases (source: World Health Organization)   خارطة التهاب الغشاء السحائي (أحمر)، ومناطق التعرض الشديد للإصابة (بني). كافة المناطق الأخرى يمكن أن يقل فيها تفشي الأوبئة وأن تظهر فيها حالات فردية (المصدر: منظمة الصحة العالمية).

كما أن التراب يمكن أن ينقل بعض الأمراض المعدية. فمرض المكورات السحائية، وهو عدوى بكتيرية للطبقة النسيجية الرقيقة المحيطة بالمخ والنخاع الشوكي، يمكن أن يتسبب في تلف في المخ، وأن يؤدي إلى الوفاة في 50 في المائة من الحالات إذا لم يُعالج. وتفشي الأوبئة يحدث في كافة أنحاء العالم، غير أن أعلى نسبة للتفشيات توجد في "حزام الالتهاب السحائي"، وهو جزء من أفريقيا جنوبي الصحراء يُقدر عدد سكانها بـ 300 مليون نسمة. ولهذه التفشيات نمط موسمي قوي، وكثير من الدراسات تربط بين الأوضاع البيئية، مثل انخفاض الرطوبة والأحوال الترابية، وتوقيت وأماكن العدوى. ويعتقد الباحثون أن استنشاق الجزيئات الترابية في طقس حار وجفاف يمكن أن يلحق الضرر بمخاط الأنف والحنجرة مما يهيئ الظروف للعدوى البكتيرية.

كما يؤدي التراب دوراً في نقل مرض حمى الوادي – وهو مرض يمكن أن يكون مميتاً – في جنوب غرب الولايات المتحدة وفي شمالي المكسيك، إذ إنه ينقل جراثيم الفطر الكرواني.

الآثار على البيئة والمجتمع

الترسبات الترابية السطحية مصدر المغذيات الدقيقة للنظم الإيكولوجية القارية والبحرية على السواء. فيُعتقد أن التراب في الصحراء الكبرى يخصب أمطار الغابات الأمازونية. كما يُعتقد أن نقل التراب للحديد والفسفور يفيد إنتاج الكتلة الإحيائية البحرية في أجزاء المحيطات التي تعاني نقص هذين العنصرين. لكن التراب له أيضاً آثار سلبية كثيرة على الزراعة، منها تقليص غلة المحاصيل بسبب طمر النبتات الصغيرة، مما يتسبب في ضياع نسيج النبات والحد من التمثيل الضوئي وزيادة تحات التربة.

ويشمل الترسب الترابي غير المباشر سد قنوات الري وتغطية مسارات الانتقال والإضرار بجودة مياه الأنهار والجداول. كما يؤثر انخفاض الرؤية الناجم عن التراب الجوي على النقل الجوي والبري، فضعف الرؤية يمثل خطراً خلال هبوط الطائرات وإقلاعها، ويؤدي إلى تغيير أماكن الهبوط وتأخير الإقلاع. هذا، ويمكن أن يحتك التراب أيضاً بسطح الطائرات ويتلف المحركات.

ويمكن أن يؤثر التراب على محطات الطاقة الشمسية، لا سيما المحطات التي تعتمد على الإشعاع الشمسي المباشر. فالترسبات الترابية على الألواح الشمسية مصدر قلق رئيسي لمشغلي المحطات، والمحافظة على نظافة مُجَمِّعات الطاقة الشمسية من التراب لمنع الجزيئات الترابية من حجب الإشعاع القادم أمر يتطلب وقتاً وعمالة.

Sand and Dust Storm Warning Advisory and Assessment System (Forecast Maps)

The WMO Sand and Dust Storm Project was initiated in 2004 and its Sand and Dust Storm Warning Advisory and Assessment System (SDS-WAS) was launched by the Fifteenth World Meteorological Congress in 2007.