ظل هيكل المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) الذي أنشئ في مؤتمر ميونيخ قائماً حتى الحرب العالمية الأولى، عندما توقف تقريباً التعاون الدولي في مجال الأرصاد الجوية لمدة تجاوزت أربع سنوات. وخلال الفترة ما بين عامي 1891 و 1914 اجتمع مؤتمر المديرين مرتين - في باريس في عام 1896 وفي إنسبروك في عام 1905 - واجتمعت اللجنة الدولية للأرصاد الجوية ثماني مرات. وتخلى Wild عن الرئاسة في عام 1896 وخلفه الأستاذ Éleuthère Mascart، الذي كان أستاذاً للفيزياء في Collège de France ومديراً للمكتب المركزي الفرنسي للأرصاد الجوية في الوقت ذاته. وقد تخلى بدوره عن منصبه في عام 1907، وكان خلفه هو سير William Napier Shaw، الباحث - العالِم الذي كان رئيساً للمكتب البريطاني للأرصاد الجوية.
وأثناء الفترة من عام 1891 حتى عام 1914، كان من الإنجازات الرئيسية للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) - وقد يقول البعض إنه كان أهم إنجاز لها - هو إنشاء لجان فنية دائمة، وكان نداء أسماء هذه اللجان انعكاساً للتطورات الأساسية التي حدثت في مجال الأرصاد الجوية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وهي حدوث تحسّنات في الأدوات، وزيادات في المعرفة في مجال الأرصاد الجوية، وأوجه تقدم في الأرصاد الجوية الدينامية، وبذل جهود متواصلة لإرساء أفضل ممارسة في مجال الرصد. وفي الحالة الأخيرة، أيّد مؤتمر ميونيخ مشروعا ظل في مرحلة الاختمار منذ مؤتمر فيينا، عندما اتُفق على أن منظمات الأرصاد الجوية والمراصد ينبغي، مثلما ذُكر في مضبطات 8 أيلول/سبتمبر 1873، “أن تنشر رسوماً تخطيطية دقيقة لأشكال السُحب التي تُعتبر نمطية في كل بلد”. وقبِل مؤتمر ميونيخ تصنيف السُحب الخاص بـ Abercromby و Hildebrandsson - وهو تصنيف تطوّر من التصنيف الذي اقترحه أصلاً Luke Howard - وأقر خطط نشر أطلس دولي للسُحب. وقد نُشر ذلك الأطلس في باريس في عام 1996 وظهرت في عام 1910 طبعة ثانية منه أكثر تحديداً.
إنشاء اللجان الفنية
كانت أو لجان فنية دائمة تابعة للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) هي لجنة المغنطيسية الأرضية وكهرباء الغلاف الجوي (التي تشكّلت في مؤتمر ميونيخ في عام 1891). وكانت الثانية هي لجنة السُحب (التي تشكّلت في اجتماع اللجنة الدولية للأرصاد الجوية الذي عُقد في أوبسالا في عام 1894)؛ وأنشئت لجنتان أخريان في الاجتماع الذي عقده مؤتمر المديرين في باريس في عام 1896. وأنشئت لجنة الطيران (التي تغير اسمها في عام 1902 فسُميَّت لجنة الطيران العلمي) لتنسيق دراسات الطبقة العلوية من الغلاف الجوي التي تجري باستخدام المناطيد والطائرات الورقية وأدوات مستحدثة حديثاً من قبيل مقياس Assmann المهوّى لرطوبة الجو. وأنشئت لجنة الإشعاع والتشميس لتنسيق برامج البحوث الإكتينومترية واستعراض الأدوات التي تُستخدم لقياس الإشعاع الشمسي والأرضي.
وقد نوقشت الحاجة إلى لجنة للأرصاد الجوية البحرية لأول مرة في اجتماع اللجنة الدولية للأرصاد الجوية الذي عُقد في سان بطرسبرغ في عام 1899، ولكن لم يحدث إقرار لذلك. ولم يحدث تشكيل اللجنة إلا في عام 1907، عندما أنشئت لجنة للإنذارات الخاصة بالعواصف وللأرصاد الجوية البحرية. وقد حدث التغير في الموقف من إنشاء تلك اللجنة عندما حدث تسليم بإمكانات تطور تكنولوجي هام - هو إمكانية استخدام الإبراق اللاسلكي لإحالة تقارير الطقس الصادرة عن المحطات الساحلية من السفن أثناء وجودها في عرض البحر. وقد ناقش مؤتمر المديرين المسألة في اجتماعه في إنسبروك في عام 1905 والتُمست استشارة شركة ماركوني بشأن تكلفة هذه الاتصالات. وحدث تسليم أيضاً قرب هذا الوقت بإمكانية استخدام الإبراق اللاسلكي لإحالة الإنذارات بالعواصف من المحطات الساحلية إلى السفن وهي موجودة في عرض البحر.
مونديال “Réseau”
كان من النتائج الهامة الأخرى لاجتماع اللجنة الدولية للأرصاد الجوية في عام 1907 تشكيل لجنة من أجل مونديال Réseau. وفكرة إنشاء محطات للأرصاد الجوية في ما يسمى “مراكز النشاط الكبرى” في الغلاف الجوي كانت، في حقيقة الأمر، قد نُظر فيها في وقت مبكر يرجع إلى عام 1896، عندما نوقشت ورقة بحثية عن الموضوع مقدمة من الدكتور Hildebrandsson في اجتماع باريس لمؤتمر المديرين. ولكن تبيّن أن الاهتمام بالفكرة كان فاتراً. وقد ثابر Hildebrandsson، لعدم ردع هذه الاستجابة له، وأثار الموضوع مرة أخرى في اجتماع عام 1899 للجنة الدولية للأرصاد الجوية. وفي هذه المرة، كان هناك حماس كبير للفكرة ولكن، لسوء الحظ، كان الإجراء الوحيد الذي اتُخذ هو اتخاذ قرار بالإجماع اعترف بأهمية إجراء رصدات جوية في أماكن بمختلف أنحاء العالم وهو ما بدا أنه أمر هام على وجه الخصوص لإلقاء الضوء على طبيعة عمليات دوران الغلاف الجوي. ولم تظهر الفكرة مرة أخرى على أي جدول أعمال للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) حتى عام 1905، وذلك في اجتماع مؤتمر المديرين الذي عُقد في إنسبروك. وكان تشكيل لجنة لمونديال Réseau علامة فارقة هامة في تاريخ المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) لأنه كان إيذاناً ببدء المساعي الرسمية لإقامة شبكة عالمية من محطات الأرصاد الجوية. وقد كان هناك تسليم منذ أمد طويل بالطابع العالمي للأرصاد الجوية، ولكن لا يجري سوى الآن فقط اتخاذ خطوات للحصول على الرصدات التي كانت ضرورية لفهم دوران الغلاف الجوي على نطاق كوكبي.
وخلال الفترة من عام 1879 إلى عام 1914، أنشأت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية هيكلاً خدم الأرصاد الجوية الدولية بشكل جيد، مع كون اللجان الفنية على وجه الخصوص فعالة كوسيلة للنهوض بالتعاون الدولي، مع أنه كانت هناك شكاوى حوالي عام 1910 من أن عدد أعضاء بعض اللجان كبير للغاية، وأن الاجتماعات متكررة للغاية، وأن مصروفات السفر مرتفعة للغاية، وأن حالات التغيُّب عن المنزل طويلة للغاية.
وفي اجتماعات المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO)، أولي قدر كبير من الاهتمام للتوحيد القياسي لممارسات رصد الطقس والإبلاغ عنها والعمل على جعلها على النحو الأمثل، ولاحتياجات العاملين في مجال البحوث. وجرت الاستفادة بسرعة من أحدث التطورات في مجال الأدوات والتكنولوجيا؛ وبحلول عام 1914 كانت قد تحققت أوجه تقدم عظيمة في الحصول على بيانات الهواء العلوي بواسطة مسجّلات العناصر الجوية وغيرها من الأدوات الملحقة بالمناطيد، والطائرات الورقية، بل وحتى، في هذه المرحلة المبكرة، الطائرات. ومع ذلك، لم يكن قد تحقق سوى قدر ضئيل من التقدم فيما يتعلق باستغلال الإبراق اللاسلكي لأغراض الأرصاد الجوية أو تقديم خدمات الأرصاد الجوية من أجل الملاحة الجوية.
مفهوم منظمة حكومية دولية
أُقر في اجتماع كوبنهاغن هيكل المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) الذي كان قائماً، وهو هيكل مؤلف من مؤتمر مديرين، ولجنة دولية للأرصاد الجوية، ومجلس تنفيذي، ولجان فنية، وأمانة. غير أن إجراء مزيد من النظر في وضع المنظمة في كوبنهاغن أدى إلى اتخاذ قرار ذُكر فيه أن الاعتراف الرسمي بالمنظمة من جانب الحكومات أمر مستصوب. وأخيراً تمت الموافقة على إمكانية أن تصبح المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) هيئة حكومية دولية.
وكانت مسألة إنشاء مكتب دولي للأرصاد الجوية بنداً رئيسياً على جدول أعمال اجتماع مؤتمر المديرين في وارسو في عام 1935، الذي يعتبره البعض أهم اجتماع للمديرين بين الحربين العالميتين. واتُخذ في ذلك الاجتماع قرار يقضي بإرسال دعوات إلى الاجتماعات المقبلة لمؤتمر المديرين إلى الحكومات وأن يُطلب في هذه الدعوات من الحكومات أن تسمّي مديري مرافقها الوطنية للأرصاد الجوية ليمثلوها في الاجتماعات وللتصويت باسمها.
اللجان الإقليمية
كان من القرارات الهامة التي اتُخذت في اجتماع وارسو في عام 1935 إنشاء لجان إقليمية، تكون وظيفتها هي كفالة تحسين تنفيذ قرارات المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) في مناطق العالم النائية. وكانت أول لجنتين أنشئتا هما اللجنة الإقليمية لأفريقيا واللجنة الإقليمية للشرق الأقصى وتلتهما بعد ذلك في عام 1937 ثلاث لجان أخرى هي اللجان الإقليمية لأمريكا الشمالية والوسطى وأمريكا الجنوبية وجنوب غرب المحيط الهادئ. وبإنشاء هذه اللجان انخفض إلى حد كبير ميل المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) نحو التمركز في أوروبا. ففي حقيقة الأمر، كانت اللجنة الإقليمية لأوروبا هي آخر لجنة تم تشكيلها، في عام 1946.
وكان هناك قرار هام آخر اتُخذ في اجتماع وارسو هو الاستعاضة عن لجنة تطبيق الأرصاد الجوية على الملاحة الجوية التابعة للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) بلجنة للأرصاد الجوية للطيران، التي تعيِّن الحكومات أعضاءها. وكانت نتيجة ذلك هي أن العلاقات بين المنظمة واللجنة الدولية للملاحة الجوية تحسّنت كثيراً، ولكن نشأ وضع غير عادي، لأن الدكتور Hesselberg أشار في اجتماع برلين الذي عُقد في عام 1939 إلى أن الوضع الرسمي للجنة الجديدة يفوق الوضع الرسمي للمنظمة (IMO) نفسها. وبالنسبة له، كان هذا سبباً إضافياً يستوجب أن يكون للمنظمة (IMO) وضع حكومي دولي.
مسودة الاتفاقية العالمية للأرصاد الجوية
في اجتماع وارسو، خلف الدكتور Theodor Hesselberg الذي كان يعمل في المرفق النرويجي للأرصاد الجوية الدكتور Van Everdingen كرئيس للجنة الدولية للأرصاد الجوية. وقد كان داعية إلى حد كبير لتحسين الوضع الدولي للأرصاد الجوية وكان حريصاً على أن تتحول المنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO) إلى وكالة حكومية دولية. وقد بنى، مع السيد Philippe Wehrlé، مدير المرفق الفرنسي للأرصاد الجوية، على القرار المتخذ في وارسو بصياغة اتفاقية عالمية للأرصاد الجوية، تكفل الحكومات، في حالة قبول الحكومات لها، وضعاً رسمياً للمنظمة الدولية للأرصاد الجوية (IMO). وقد أشار، عند تقديمه هذه المسودة إلى اللجنة الدولية للأرصاد الجوية في اجتماعها في برلين في عام 1939، إلى عدد من فوائد تغيير وضع المنظمة. ورأى على وجه الخصوص أن من المستصوب أن يكون للحكومات تأثير أكبر على عمل المنظمة، بالنظر إلى الأهمية العملية للأرصاد الجوية التي كانت آخذة في التزايد باطراد. ورأى يضاً أن المنظمة يجب أن تكون قادرة على الاعتماد على موارد كافية، بحيث لا تعوق الصعوبات المالية التعاون الكفؤ. وعلاوة على ذلك، فإنه كان يعتقد أن الحكومات ينبغي أن تكون لها سيطرة أكبر على اختيار الممثلين من بلدانها.
وقد نقحت اللجنة الدولية للأرصاد الجوية مسودة الاتفاقية مادة مادة ثم أحالت ما أصبح يُعرف باسم ‘مسودة برلين’ إلى لجنة دراسة مسودة الاتفاقية، وهي لجنة أنشأتها اللجنة الدولية للأرصاد الجوية في اجتماعها في برلين. وكان القصد هو أن تحسِّن هذه اللجنة وتصقل المسودة وتُعدّ نسخة قاطعة منها للنظر فيها في اجتماع مؤتمر المديرين في واشنطن العاصمة في عام 1941. وفي هذه الحالة، تدخلت الحرب العالمية الثانية، ولم يكن من الممكن سوى إحراز قدر ضئيل جداً من التقدم قبل عام 1946.
انتقال الأمانة العامة إلى سويسرا
في اجتماع مؤتمر المديرين الذي عُقد في كوبنهاغن في عام 1929 اتُخذ قرار بأن تنتقل الأمانة العامة إلى سويسرا، ولكن لم يحدَّد موعد لهذا الانتقال. وزادت الضجة أثناء ثلاثينيات القرن العشرين من أجل تنفيذ القرار، وقدم الدكتور Hesselberg تأييده. وتسبب خفض قيمة الغيلدر الهولندي في عام 1936 في نشوء صعوبات للأمانة العامة وعزز المبررات الداعية إلى إجراء عملية الانتقال عاجلاً لا لاحقاً. وفي اجتماع اللجنة الدولية للأرصاد الجوية في ساليزبيرغ في عام 1937، اقترح الدكتور Hesselberg أن يكون موعد الانتقال هو 1 كانون الثاني/يناير 1939، ولكن لم تتسن الموافقة على هذا الاقتراح. وفي نهاية المطاف، تولت الأمانة العامة زمام الأمر. ورحلت بتسرع من دي بيلت بعد بدء الحرب العالمية الثانية بفترة قصيرة وانتقلت إلى لوزان. وفي الوقت ذاته، أصبح الدكتور Gustav Swoboda، وهو من براغ، رئيساً للأمانة العامة في تموز/يوليه 1938، وهو الوقت الذي خلف فيه الدكتور Cannegieter الدكتور Van Everdingen كمدير للمعهد الهولندي الملكي للأرصاد الجوية.